فصل: من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئا}.
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن فيه من أن الضمير في قوله جاءه يدل على شيء موجود واقع عليه المجيء؛ لأن وقوع المجيء على العدم لا يعقل، ومعلوم أن الصفة الإضافية لا تتقوم إلا بين متضائفين فلا تدرك إلا بادراكهما، فلا يعقل وقوع المجيء بالفعل إلا بإدراك فاعل واقع منه المجيء ومفعول به واقع عليه المجيء وقوله تعالى: {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئا} يدل على عدم وجود شيء يقع عليه المجيء في قوله تعالى: {جَاءَهُ} والجواب عن هذا من وجهين ذكرهما ابن جرير في تفسير هذه الآية؛ قال: فإن قال قائل: وكيف قيل {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئا} فإن لم يكن السراب شيئًا فعلام دخلت الهاء في قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ}؟
قيل إنه شيء يُرى من بعيد كالضباب الذي يرى كثيفًا من بعيد والهباء، فإذا قرب منه دق وصار كالهواء وقد يحتمل أن يكون معناه حتى إذا جاء موضع السراب لم يجد السراب شيئًا فاكتفى بذكر السراب عن ذكر موضعه انتهى منه بلفظه.
والوجه الأول أظهر عندي وعنده بدليل قوله: وقد يحتمل أن يكون معناه. إلخ. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة: ما قيل إن في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ المؤمنين} [النور: 2] إشارة إلى أنه ينبغي للشيخ إذا أراد تأديب المريد وكسر نفسه الأمارة أن يؤد به بمحضر طائفة من المريدين الذين لا يحتاجون إلى تأديب.
ومن هنا قال أبو بكر بن طاهر: لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب وهم طائفة من المؤمنين لا المؤمنون أجمع، والزنا عندهم إشارة إلى الميل للدنيا وشهواتها، وفي قوله تعالى: {الزانى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} [النور: 3] الخ.
وقوله تعالى: {الخبيثات لِلْخَبِيثِينَ} [النور: 26] الخ إشارة إلى أنه لا ينبغي للأخيار معاشرة الأشرار، إن الطيور على أشباهها تقع.
وفي قوله تعالى: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النور: 11] إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن يشنع عليه المنكرون من المشايخ أن يحزن من ذلك ويظنه شرًا له فإنه خير له موجب لترقيه.
وفي قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل} [النور: 22] الخ إشارة إلى أنه ينبغي للشيوخ والأكابر أن لا يهجروا أصحاب العثرات وأهل الزلات من المريدين وأن لا يقطعوا إحسانهم وفيوضاتهم عنهم، وفي قوله تعالى: {كَرِيمٌ يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ على أَهْلِهَا} [النور: 27] إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن يريد الدخول على الأولياء أن يدخل حتى يجد روح القبول والإذن بإفاضة المدد الروحاني على قلبه المشار إليه بالاستئناس فإنه قد يكون للولي حال لا يليق للداخل أن يحضره فيه وربما يضره ذلك، وأطرد بعض الصوفية ذلك فيمن يريد الدخول لزيارة قبور الأولياء قدس الله تعالى أسرارهم فقال: ينبغي لمن أراد ذلك أن يقف بالباب على أكمل ما يكون من الأدب ويجمع حواسه ويعتمد بقلبه طالبًا الإذن ويجعل شيخه واسطة بينه وبين الولي المزور في ذلك فإن حصل له انشراح صدر ومدد روحاني وفيض باطني فليدخل وإلا فليرجع، وهذا هو المعنى بأدب الزيارة عندهم ولم نجد ذلك عن أحد من السلف الصالح.
والشيعة عند زيارتهم للأئمة رضي الله تعالى عنهم ينادي أحدهم أأدخل يا أمير المؤمنين أو يا ابن بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام أو نحوه ذلك ويزعمون أن علامة الإذن حصول رقة القلب ودمع العين وهو أيضًا مما لم نعرفه عن أحد من السلف ولا ذكره فقهاؤنا وما أظنه إلا بدعة ولا يعد فاعلها إلا مضحكة للعقلاء، وكون المزور حيًا في قبره لا يستدعي الاستئذان في الدخول لزيارته، وكذا ما ذكره بعض الفقهاء من أنه ينبغي للزائر التأدب مع المزور كما يتأدب معه حيًا كما لا يخفى.
وقد رأيت بعد كتابتي هذه في الجوهر المنتظم في زيارة القبر المعظم صلى الله تعالى على صاحبه وسلم لابن حجر المكي ما نصه، قال بعضهم: وينبغي أن يقف يعني الزائر بالباب وقفة لطيفة كالمستأذن في الدخول على العظماء انتهى.
وفيه أنه لا أصل لذلك ولا حال ولا أدب يقتضيه انتهى.
ومنه يعلم أنه إذا لم يشرع ذلك في زيارة قبره عليه الصلاة والسلام فعدم مشروعيته في زيارة غيره من باب أولى فاحفظ ذاك والله تعالى يعصمنا من البدع وإياك.
وقيل في قوله تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} [النور: 30] الخ إن فيه أمرًا بغض بصر النفس عن مشتيهات الدنيا وبصر القلب عن رؤية الأعمال ونعيم الآخرة وبصر السر عن الدرجات والقربات وبصر الروح عن الالتفات إلى ما سوى الله تعالى وبصر الهمة عن أن يرى نفسه أهلًا لشهود الحق تنزيهًا له تعالى وإجلالًا، وأمرًا بحفظ فرج الباطن عن تصرفات الكونين فيه، والإشارة بأمر النساء بعدم إبداء الزينة إلا لمن استثنى إلى أنه لا ينبغي لمن تزين بزينة الإسرار أن يظهرها لغير المحارم ومن لم يسترها عن الأجانب.
وبقوله تعالى: {وَأَنْكِحُواْ الايامى مِنْكُمْ} الخ إلى النكاح المعنوي وهو أن يودع الشيخ الكامل في رحم القلب من صلب الولاية نطفة استعداد قبول الفيض الإلهي.
وقد أشير إلى هذا الاستعداد بقوله سبحانه: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ} [النور: 32] ثم قال جل وعلا: {وَلْيَسْتَعْفِفِ} أي ليحفظ {الذين لاَ يَجِدُونَ} شيخًا في الحال أرحام قلوبهم عن تصرفات الدنيا والهوى والشيطان {حتى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ} بأن يوفق لهم شيخًا كاملًا أو يخصهم سبحانه بجذبة من جذباته، وأشير بقوله تعالى: {والذين يَبْتَغُونَ الكتاب} الخ إلى أن المريد إذا طلب الخلاص عن قيد الرياضة لزم إجابته إن علم فيه الخير وهو التوحيد والمعرفة والتوكل والرضا والقناعة وصدق العمل والوفاء بالعهد ووجب أن يؤتى بعض المواهب التي خصها الله تعالى بها الشيخ، وأشير بقوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ} [النور: 33] الخ إلى أن النفس إذا لم تكن مائلة إلى التصرف في الدنيا لم تكره عليه.
ولهم في قوله تعالى: {الله نُورُ السموات والأرض} [النور: 35] كلام طويل عريض وفيما قدمنا ما يصلح أن يكون من هذا الباب، وذكر أن قوله تعالى: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تجارة وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله} [النور: 37] مما يدخل في عمومه أهل الطريقة العلية النقشبندية الذين حصل لهم الذكر القلبي ورسخ في قلوبهم بحيث لا يغفلون عنه سبحانه في حال من الأحوال وهذا وإن ثبت لغيرهم أيضًا من أرباب الطرائق فإنما يثبت في النهايات دون المبادىء كما يثبت لأهل تلك الطريقة.
وفي مكتوبات الإمام الرباني قدس سره ما يغني عن الإطالة في شرح أحوال هؤلاء القوم وبيان منزلتهم في الذكر والحضور بين سائر الأقوام حشرتا الله تعالى وإياهم تحت لواء النبي عليه الصلاة والسلام، وقيل إن قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} [النور: 40] إشارة لما ورد في حديث «خلق الله تعالى الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه منه اهتدى ومنه أخطأه ضل» والله تعالى الموفق لصالح العمل. اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن:
للدكتور زغلول النجار بحث بعنوان:

.من أسرار القرآن: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}:

بقلم الدكتور: زغلول النجار.
هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر الثلث الثاني من سورة النور، وهي سورة مدنية، وآياتها أربع وستون، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي أن الله تعالى هو نور السموات والأرض. وأنه تعالى هو الذي يهدي لنوره من يشاء، وأن... من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من التشريعات الإلهية الضابطة لسلوك المسلم في كل من حياته الخاصة والعامة؛ والحاكمة للعلاقات في داخل الأسرة المسلمة صونا لحرماتها.
وتبدأ سورة النور بتأكيد أنها من جوامع سور القرآن الكريم لأن الله تعالى فرض فيها علي عباده فرائض ألزمهم بها، وفي مقدمتها تحريم الزنا، وتشريع الحدود الرادعة للواقعين في هذه الجريمة النكراء.. وتبشيعها إلي الناس كافة بقول الحق تبارك وتعالي: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك علي المؤمنين} (النور: 3).
وتنهي السورة الكريمة عن الخوض في أعراض الناس، وتؤكد أن الخائضين في هذا الأمر بغير دليل هم من الفاسقين الذين تجدر بهم العقوبات الرادعة، وتحدد العقوبة المناسبة لهم، وتعتبرهم من الخارجين علي دين الله {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} (النور: 5).
وتشرع سورة النور للملاعنة كوسيلة من وسائل درء الشبهات بين الأزواج؛ وتشير إلي فرية الإفك، وتبريء المظلومين من دنسها، وتغلظ العقوبة للذين افتروها. وتصفه بأنه بهتان عظيم، وتحذر من العودة إلي افتراء مثله أبدا وذلك بقول الحق تبارك وتعالي: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رؤوف رحيم} (النور: 17- 20).
وتحذر سورة النور من اتباع خطوات الشيطان لأنه يأمر بالفحشاء والمنكر؛ وتحض السورة الكريمة علي الإنفاق لذي القربي والمساكين والمهاجرين في سبيل الله؛ وتنهي عن رمي المحصنات الغافلات المؤمنات، وتغلظ العقوبة علي الوقوع في هذا الجرم بقول الحق تبارك وتعالي: {إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين} (النور: 23- 25)، وتضيف السورة الكريمة الدعوة إلي طهارة المجتمعات الإنسانية مؤكدة حكم الحق تبارك وتعالي: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم} (النور: 26).
وتنهي سورة النور عن دخول البيوت دون استئذان وسلام علي أهلها، وتضع الضوابط الشرعية لدخول البيوت بصفة عامة، وتأمر بغض البصر، وحفظ الفرج، وستر العورات، وبالاحتشام في الملبس والمظهر، وتنهي عن التبرج بزينة، وتضع الضوابط الصحيحة لحجاب المرأة المسلمة، وللزواج، كما تحرم البغاء، واستغلال الجواري للكسب المادي الرخيص من وراء هذه الجريمة المهدرة لكرامة الإنسان وذلك بقسرهن عليها، وإكراههن علي ممارستها.